الشهادتان هما أول ركن من أركان الإسلام .. والإيمان بالشهادتين والنطق
بهما هما الطريق إلى الإسلام وبهما يكون الإنسان مسلمًا موحدًا لله .
وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- :
"بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" (رواه البخاري)
وقد ظل النبي – صلى الله عليه وسلم- مدة بعثته يدعو الناس إلى الإيمان
بالله وتوحيده وترك الشرك وعبادة الأوثان، وإلى الإيمان بأنه رسول الله
وأن الله قد بعثه إلى الناس جميعًا لهدايتهم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم .
وكان النطق بالشهادتين هو المفتاح الذي أدخل الصحابة جميعًا إلى الإسلام
فعل ذلك "أبو بكر الصديق"، و"عمر بن الخطاب"، و"عثمان بن عفان"
و"علي بن أبى طالب"، و"خديجة بنت خويلد"، وغيرهم من الصحابة الكرام
وسيفعله كل من يريد أن يدخل إلى الإسلام من البشر جميعًا ممن ليسوا على ملة الإسلام .
وأصل الشهادة أن تؤمن بأنه لا معبود بحق إلا الله تعالى ، وأنه مطاع في كل
ما يأمرنا به وينهانا عنه، وهذه هي الغاية التي بعث الله من أجلها الرسل
ولذلك يدعو القرآن إلى حقيقة لا إله إلا الله في أكثر من موضع , قال تعالى :
"إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا " (طه: 98)
وقال تعالى:
"هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" (الحشر 22)
- الإيمان بوجود الله :
يشهد الكون الفسيح بما فيه من إنسان وحيوان وطير ونبات، وأنهار وبحار ومحيطات
وجبال وسهول وهضاب، ونجوم وكواكب، يشهد بأن وراء كل ذلك إلهًا قادرًا
مدبرًا هو لله .
وقد دعانا الله إلى النظر في الكون الهائل ، قال تعالى:
"إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ
مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ
مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)" (الجاثية:3- 5)
وقال تعالى:
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء
مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)"(البقرة:164)
وذات يوم سأل أحد الملاحدة الإمام "الشافعي" أن يأتي له بدليل على وجود الله
فقال له: ورقة التوت , لا يختلف طعمها ولونها وريحها في ورقة عن ورقة أخرى
لكن تأكلها دودة القز فتخرج الحرير, وتأكلها الشاة فتربي اللحم وتخرج اللبن
وتأكلها الظباء فتغذيها وتكِّون بداخلها المسك , فمن الذي جعل هذه الأشياء
متنوعة الإفرازات , والغذاء واحد ؟ إنه الله سبحانه وتعالى.
- الله واحد :
وما دام لهذا الكون إله خالق مدبر، فلا بد أن يكون إلهًا واحدًا، ولا يمكن
أن يكون لهذا الكون إلهان أو آلهة متعددة ..ويتضح ذلك من التناسق
البديع الموجود في الكون، والنظام الدقيق الذي يحكم حركة الكون منذ ملايين السنين
والأدلة على وحدانية الله كثيرة، منها :
- خلق السموات والأرض: بأبعادها الهائلة , وآفاقها الواسعة , وعوالمها المختلفة
وكواكبها التي تسير في مدارات ثابتة لا تتغير.
- شروق الشمس من الشرق، وغروبها من الغرب , وتحركها المنضبط
في المدار المحدد لها ، فلا تقترب من الأرض فتهلك بحرارتها ما على الأرض
من حياة ، ولا تبتعد عنها فيعم البرد والصقيع، فتتجمد الكائنات الحية من إنسان
وحيوان وطير وزروع، وبذلك تنتهي الحياة على سطح الأرض .
- اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر , والنور والظلمة وتعاقبهما
المنضبط والمستمر .
فالنظام المنضبط الذي يسير عليه هذا الكون العظيم يشهد بأن خالق
هذا الكون إله واحد لا شريك له، ويستحيل أن يكون هذا الكون قد خلق نفسه
أو أوجده شريكان أو أكثر، ولو كان كذلك لاختلف الشريكان
وتحطم الكون واختل نظامه .
قال تعالى : "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ
إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)"(المؤمنون 91)
- الله قادر على كل شيء :
ويتضمن معنى الشهادة الإيمان بأن الله قادر على كل شيء، وليس عنده
شيء صعب وشيء سهل، وإنما إذا أراد شيئًا فإنه يقول له كن فيكون .
والله تعالى هو الذي يدبر أمورنا ويصرف شؤوننا ، ويحي ويميت، ويعطي
ويمنع، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، لأنه القادر على كل شيء فلا يعجزه شيء
ولا يمتنع عليه شيء، والمسلم لا يستعين إلا بالله، لأنه هو القادر على أن يعينه، قال تعالى :
"لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)"(المائدة 120)
- الله هو الرازق :
ويترتب على الإيمان بالله الواحد الإيمان بأنه هو الرازق، فقد تكفل الله
برزق الكائنات جميعًا، وضمن لهم ما يحتاجون إليه من طعام وشراب
والإيمان بأن الله يعطى الناس من فضله ويرزقهم حسب مشيئته
ولا يمنع رزقه عن أحد، سواء كان مؤمنا أو كافرا.
والمسلم يؤمن بأن طاعة الله وعبادته والقيام بالأعمال الصالحة تزيد في الرزق
وفي الوقت نفسه عليه ألا يغضب إذا قل رزقه بل يصبر ويدعو الله أن يوسع عليه
قال تعالى : "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)" (الروم:37)
- الله يعلم كل شيء :
ومن معاني الشهادة الإيمان بأن الله تعالى عليم خبير ، يعلم كل ما يحدث في الكون
سواء الأشياء التي نسمعها ونراها أو الأشياء التي لا نسمعها ولا نراها،
ويعلم ما تخفيه الصدور، وما تفكر فيه العقول.
والله- تعالى - يعلم عدد النجوم في السماء، وعدد حبات الرمال في الصحراء
وقطرات الماء في البحار والمحيطات، وأعداد الكائنات جميعًا من إنس وجن
وحيوانات وطيور وأشجار ونباتات .. يعلم الله ما مضي منهم، وما سيأتي، قال تعالى :
"وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ
وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)" (الأنعام 59)
- الله يسمع كل شيء و يراه :
والله سبحانه- تعالى - سميع بصير، يسمع كل الأصوات، البعيدة
والقريبة، القوية والضعيفة، وما يتلفظ به الإنسان جهرا وما يخفيه
في نفسه سرًا ، فالله يعلم سرنا وجهرنا , ظاهرنا وباطننا
وكما يسمعنا الله فهو يسمع الحيوانات والطيور والحشرات
وكل ما نعرفه من الكائنات وما لا نعرفه .
والله- تعالى - بصير يرى كل الأشياء الكبيرة والصغيرة، الظاهرة والمختفية
ما نراه بعيوننا وما لا نراه، ويرى الله كل شيء سواء في الضوء أو في الظلام
على سطح الأرض ، أو في قاع البحار .
وإذا ترسخت هذه المعاني في نفس المسلم فإنه لن يفعل ما يغضب الله
لأنه- تعالي- مطلع عليه, يسمع كل شيء، ويبصر كل شيء
ولا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء .
- شهادة أن "محمدًا" رسول الله :
شهادة أن "محمدًا" رسول الله هي الجزء الثانى من الشهادة
بعد شهادة أن لا إله إلا الله، ولا يقبل إسلام أي شخص دون إتمام الشهادتين .
والمسلم يؤمن بأن "محمدًا" – صلى الله عليه وسلم- رسول الله إلى الناس جميعًا
وقد بعثه الله إلى كل الأمم والشعوب، وليس إلى قومه خاصة مثل غيره من الرسل
وأنه آخر الأنبياء والمرسلين، فلا رسول بعده، ولا نبي يأتي خلفه، قال تعالى :
"مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)" (الأحزاب 40)
وقد أنزل الله الوحي على نبيه "محمد" – صلى الله عليه وسلم-
وهو في الأربعين من عمره، وكان منذ صباه معروفًا بالصادق الأمين .
وظل النبي- صلى الله عليه وسلم- في "مكة" ثلاث عشرة سنة يدعو الناس
إلى التوحيد وعبادة الله الواحد، فآمن بدعوته عدد قليل تحملوا معه إيذاء قريش
وعنادهم، ثم هاجر إلى "المدينة" واستقر بها عشر سنوات، انتشرت خلالها دعوته
واستقرت دولته، وازداد عدد المسلمين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا
حتى بلغ عدد المسلمين الذين كانوا مع النبي- صلى الله عليه وسلم-
في حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة أكثر من مائة ألف مسلم.
ورسالة النبي- صلى الله عليه وسلم- عامة إلى جميع الناس من كل جنس ولون،
على اختلاف أوطانهم وتعدد لغاتهم، سواء من كان منهم معاصرًا
للنبي- صلى الله عليه وسلم- أو من جاء بعد وفاته حتى تقوم الساعة
فرسالته عامة إلى الناس إلى يوم القيامة؛ لأن فيها ما يصلح حياتهم
ومعيشتهم، وينظم أمور دينهم ودنياهم من صلاة وصوم وزكاة
وحج ومعاملات مالية، وآداب وسلوك . وقد أشار القرآن إلى عموم
رسالة النبي- صلى الله عليه وسلم- ، فقال :
"قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)" (الأعراف 158)
وقد أنزل الله القرآن على رسوله "محمد"- صلى الله عليه وسلم-
عن طريق ملك الوحى "جبريل"- عليه السلام، وهو آخر الكتب السماوية
اشتمل على الأحكام والتشريعات التي تسعد الناس فى حياتهم، وترشدهم
إلى الفلاح فى الدنيا والآخرة، وقد تكفل الله بحماية كتابه الكريم من التحريف
والتبديل إلى يوم الدين، قال تعالى:
"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)" (الحجر 9)
ولذلك فهو الكتاب الوحيد المنزل من عند الله الذي لم يتبدل ولن يتبدل أو يتغير .