يروي أحد الجنود الفرنسيين وقد كان من الذين كلفوا بالمداهمات و إعتقال المجاهدات و المجاهدين الجزائريين إبان الثورة التحريرية الكبرى أنهم عندما يصلون الى قرية أو دشرة تقمن النساء والصبايا بالهروب الى الإسطبلات و يبدأن بطلي أجسامهن ووجوههن بروث البهائم فيكتسبن رائحة مقززة حتى لا يتمكن العدو من إغتصابهن والنيل منهن ، هذا التصرف جعل من المستعمر يقف عاجزا عن تفسير هذا السلوك غير أنه إعترف لما صادفه مثل هكذا تصرف مع كثير من النساء الفحلات أنهن يرضين برمي أنفسهن في القذارة وروث البهائم أشرف لهن من الوقوع بين ايدي جلاديهم وإغتصابهن.
هذه الصورة مأخوذة للتعبير عن الوشم والحقيقة لا أعرف صاحبتها وأذكر أنني ذات مرة سألت جدتي وقد ملأ الوشم وجهها وبعضا من جسمها عن سبب هذا الوشم الزائد والمبالغ فيه فسألتني بدورها : هل رأيت هذا الوشم في نساء أخريات غيري ؟ فأجبتها كثيرا ما رأيت ذلك في النساء دون الرجال ، حينها تنهدت وقد إغرورقت عيناها بالدموع وعادت بذكرياتها الى سنين خلت و كأني قلبت عليها المواجع والذكريات الأليمة وقالت :
لما تفطن المستعمر الفرنسي إبان الثورة التحريرية للدور الفعال والنضالي الذي كانت تقوم به المرأة الجزائرية أسوة بأخيها الرجل فكر في حيلة جهنمية تمنع المرأة مشاركة الرجل نضاله وكفاحه ضد المستدمر الغاشم ، فأمر جنوده وجلاديه بإغتصاب كل إمراة وصبية فتصبح بذلك عارا على أهلها وعشيرتها وتلصق بها تهمة الزنا عندها يمقتها قومها ويتبرؤون منها ، إلا أن مكرهم باء بالفشل الذريع وتصدت فحلات وبطلات الجزائر بأن ألهمهن الله عز و جل فكرة أن يقمن بالوشم على وجوههن وبذلك يصبحن غير جذابات ويصبح جمالهن مشوه بالوشم فيعرض عنهن جلاديهم
الغريب في الأمر والعجيب أن المجاهدين إبان لثورة التحريرية أصبحوا يميلون أكثر الى الزواج من المرأة الموشومة حيث يعتبر وشمها دليل على عفة المرأة وعذريتها إن كانت غير متزوجة .فيتسابقون لخطبتها والزواج منها ، وانقلب بذلك السحر على الساحر وحافظت المرأة على عفتها وأصبحت مضربا للشجاعة و الجهاد وتحملت ما لا يتحمله إنسان في وقتنا الحاضر ويكفي أن نذكر جميلة بوحيرد و حسيبة بن بوعلي و ظريف الزهرة وجميلة بوباشا وكثيرات هن الفحلات اللائي قدمن النفس والنفيس من أجل أن تعيش الجزائر حرة أبية .
استوقفتني قصة لإحدى هؤلاء الفحلات والواقع كنت أجهلها و لا أعرف عنها شيئا إلا بالصدفة عندما كنت أتصفح إحدى المواقع فلفت انتباهي عنوان كتاب باللغة الفرنسية يتعرض الى معاناة و إضطهاد المرأة الجزائرية إبان الثورة التحريرية المظفرة وما لاقته من تعذيب لا يوصف ومن بين هؤلاء بطلة شهيدة تعتبر رمزا للكفاح والمقاومة التي لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا ، أنها البطلة الشهيدة يامنة الشايب المدعوة زليخة عدي التي أعدمت رميا من طائرة هيلوكوبتر بعد أن تم ربطها بشاحنة عسكرية وجرها بشوارع المدينة حتى تكون عبرة لغيرها حسب إعتقاد الجلادين الذين اعتقلوها مرددين أن هذا هو مصير من يخرج عن طاعة فرنسا .
كان ميلاد الشهيدة البطلة يامنة الشايب (زليخة عدي) في السابع ماي 1911 بحجوط من عائلة ثرية من كبار ملاك الأراضي بالمنطقة وقد عاشت كغيرها من العائلات الجزائرية تحت نير الاستعمار الغاشم خرجت من رحم عائلة مناضلة ورضعت من حليب الطهارة والعفة وتربت في كنف عائلة قنوعة ومحبة لبلدها الجزائر وكبرت وهي مشبعة بالإيمان بقضية وطنها المغتصب .و الثمن قوافل من الشهداء .
لم يكن الواقع المعاش آنذاك يروق لزليخة لما رأته من فقر مدقع وبطالة قاتلة بالإضافة للجهل والمرض ناهيك عن الظلم المسلط على رقاب الجزائريين دون تمييز إلا من أثبت ولائه لفرنسا وقام ببيع ذمته بثمن بخس لا يغني ولا يسمن من جوع ، نتيجة لكل ذلك وما رأته زليخة من فوارق كبيرة بين صاحب الأرض والمستوطنين الأوربيين الذين نهبوا وسرقوا وتفننوا في أساليب التعذيب والترهيب قررت أن تختار عن قناعة و إيمان النضال والجهاد خاصة و ان المقاومة الجزائرية للمستعمر لم تتوقف للحظة فزادها ذلك عزيمة وإلحاحا على اللحاق بإخوانها و أخواتها المجاهدين والمجاهدات بالجبل الذين وقد سمعت عنهم الكثير وما يحققونه من بطولات ومعجزات تعجز البشرية عن تصديقها فكان ذلك بمثابة حافزا كبيرا ومشجعا على مضيها قدما لتحقيق أمنيتها وفق مبادئها التي كانت تؤمن بها .
بدأت الشهيدة البطلة في التخطيط بكل سرية في الكيفية التي تساعد بها إخوانها المجاهدين والدور الذي يجب أن تؤديه دون أن يكتشف العدو أمرها وهي على دراية تامة بأن لفرنسا عيون و آذان في كل مكان وما المداهمات والإعتقالات التي تكاد تكون شبه يومية إلا دليل على حرصها و دافع قوي لعدم ثقتها في أي كان ، فتمكنت في هذه الظروف وهذا الواقع الأليم بتشكيل خلايا جديدة في هذه الفترة انطلاقا من قريتها من خلال التوعية وتحسيس النساء على مساعدة المجاهدين وعدم الوشاية بهم مهما كانت الظروف أين اقتصر نشاطها على محور مدينة شرشال في البداية وذلك بجمع الدواء والمؤونة للمجاهدين في أحد المنازل القريبة كما أنها كانت تقوم بجمع المال من المتبرعين للثورة وإيصالها للثوار ثم توسع نشاطها بعد ذلك ليشمل القرى والمداشر وتكوين خلية من المناضلات في كل منها حتى وصل صيتها في النضال مسامع رجال الأمن الفرنسيين مما جعلها عرضة للملاحقة والمتابعة ، إلا أن حرصها الشديد وكتمانها سر نضالها وذكائها وحنكتها التي اكتسبتها من خلال احتكاكها بالمجاهدين التي كانت محل ثقتهم جعل العدو يعجز في الكشف عن المهام الحقيقية التي كانت تقوم بها
كان لدى الشهيدة دور ريادي في نشر الوعي الوطني وافشال مخططات "لاصاص" - sections administratives spécialisées - التي كانت تقوم على أسلوب الأرض المحروقة وتهدف لكسر شوكة الثورة وعزلها عن الشعب لا سيما في الارياف المجاورة لمدينة شرشال وغيرها من المدن الجزائرية.
ولأنها تنتمي لعائلة مناضلة ومجاهدة فليس غريب عليها أن تكون إمرأة بألف رجل وتقدم ما لديها لنصرة الثورة الجزائرية كيف لا وقد استشهد زوجها المسمى العربي عدي المدعو أحمد الذي كان من الأوائل الملتحقين بصفوف الثورة التحريرية بشرشال وقد تم اعتقاله وتصفيته دون محاكمة في نوفمبر 1957 ليعرف إبنها الفدائي نفس المصير ومن المصادفات العجيبة أنه كان ينوي الزواج في تلك السنة إلا أن والدته أصرت عليه باللحاق بإخوانه في الجبل للجهاد فاستحقت لقب الخنساء بإستشهاد زوجها و ابنها وبعض من أفراد عائلتها المقربين
بعد أن فقدت زليخة الزوج والإبن في نفس السنة قام العدو بإحضار شاحنة كبيرة وحمل كل ما غلى ثمنه من بيت العائلة أين قام بالاستيلاء على مبلغا ماليا كبير يقدر ب300 ألف فرنك فرنسي من ضمن المدخرات التي كان الشهيد ينفقها في سبيل الثورة ومجاهديها قررت حمل راية الجهاد ومواصلة النضال بكل إصرار وشجاعة في وقت باع فيه البعض ذممهم وساندوا العدو على الأخ والقريب وهم لا يعلمون أن النصر قريب و أن تضحيات أمثال زليخة وغيرها لن تذهب سدى .
ونظرا لذكائها وحنكتها وتمكنها من اللغة الفرنسية استطاعت زليخة عدي أن تقنع محافظ شرطة شرشال المدعو كوستCOST بتسليمها المبلغ المالي الذي صادرته السلطات الإستعمارية عند إعتقال زوجها والمقدر بحوالي 300 ألف فرنك فرنسي وقامت بعد ذلك مباشرة بمنحه للمجاهدين أين تم تعينها على رأس خلية جبهة التحرير الوطني بشرشال خلفا للشهيد علوي بلقاسم لتتمكن بفضل صفاتها الأخلاقية وشخصيتها القوية وفي ظرف قصير من تجذير الثورة التحريرية لدى أهالي المنطقة الذين أمدوها بالدعم المادي والمعنوي ولكن بعد إكتشاف أمرها والقاء القبض على أعضاء خلايا جبهة التحرير في المنطقة اضطرت زليخة للإلتحاق بصفوف المجاهدين المتمركزين بالجبال المحيطة بالمنطقة لتواصل كفاحها مؤدية عدة مهام بكل دقة ومهارة لكن شاء القدر ان تقع زليخة في أسر القوات الفرنسية اثر عملية تمشيط واسعة استهدفت جبال (بوحرب) و(سيدي سميان) بشرشال لتقع في أسر القوات الفرنسية في 15 اكتوبر 1957 لتتعرض لأبشع أنواع اساليب التعذيب والاستنطاق الا انها قاومت لمدة 10 ايام، وبغرض تثبيط عزيمة مواطني المنطقة تم ربطها إلى شاحنة عسكرية وجرها وتعذيبها أمام الملأ، غير انها قاومت لأخر لحظة وكانت اخر كلماتها " اخواني كونوا شهداء على ضعف الكيان الاستعماري الذي يسلطه جنوده واسلحته ضد امراة واحدة .. لا تستسلموا وواصلوا كفاحكم حتى يرفرف العلم الوطني ".
التحقت يامنة الشايب في 25 اكتوبر على الساعة الثالثة زوالا بركب الشهداء الطاهرين بعد أن ألقي بها حية من على طائرة عسكرية مروحية .. وتركت بذلك ملحمة نضال خالدة لاجيال الاستقلال عنوانها التضحية والوفاء .
وفي سنة 1984 وبعد 27 عاما من التحاق الشهيدة يامنة بالرفيق الأعلى واختفاء جثتها طيلة قرابة العقود الثلاثة من الزمن، تذكر أحد فلاحي المنطقة أنه دفن جثة امرأة عثر عليها مهشمة على قارعة الطريق في شهر أكتوبر من سنة 1957، وبالتنقيب عن رفاتها في المكان الذي دل عليه، تم العثور على بقايا عظامها وبقايا ثوبها الذي أعدمت فيه.
هذه بعض الصور والوثائق الأرشيفية لأنني رأيت الكثير من الأخطاء في بعض المنتديات في الكتابة عن هذه البطلة وتعتبر هذه الصور
حصرية لمنتدى الابداع للثقافة والهوايات
الصور حقيقية مأخوذة من بورتري مسجل في شهادة حية مع ابنة الشهيدة (المسماة خديجة عدي) وبعض شهود العيان الذين عايشوا الشهيدة البطلة
الله يرحم الشهداء.... المجد والخلود لشهدائنا الأبرار .
أمنيتي ان التقي ابنة الشهيدة السيدة الفاضلة خديجة عدي لتروي لي المزيد عن هذه البطلة الكبيرة التي لم يوفى حقها بالكامل والله لولا الصدفة ماكنت لأعرف عن هذه البطلة الفذة .
بصدد انجاز فيديو مصور عن البطلة واحتاج لمصادر موثوقة
أسامة